المادة    
المذيع: يا شيخ! في هذا الإطار البعض يقول: عندما يأتي الدكتور سفر وينتقد هذا العمل ويقول: إنه لا يمت إلى الإسلام بصلة، أي: التفجير ونحو ذلك، أو حينما يتحدث عن قضايا التكفير أو قضايا دفع الشبه التي يستدل بها من يُكفّر الحكام أو العلماء، يقول: أنتم بهذه الطريقة تحاربون المجاهدين في سبيل الله، فكيف الجواب عن هذا يا شيخ؟
الشيخ: أولاً: يجب أن نقول العدل، وأن نحكم بالعدل مع هؤلاء وهؤلاء، لا ينبغي لمن يُفتي أو يتكلم عن رب العالمين، ويعزو نفسه إلى أنه يحكم بأحكام الشريعة وما أنزل الله لا يجوز له أن ينظر إلى أي من الطرفين فيجامله أو يداهنه.
المشكلة الآن -كما تلاحظون- ولا سيما في النقاشات الفردية في الإنترنت، دائماً تأتي التهمة بأنكم تجاملون الحكام لأن السلطة بيدهم وغير ذلك.. وأنا أعتقد أن هناك جانباً آخر يجب أن يعالج.
المذيع: أيضاً من يتعاطف مع الشباب ويجاملهم لأجل أي أمر...
الشيخ: هذا الداعية أو الفقيه أو العالم قد يجامل المدعوين والأتباع وهو لا يدري، بل قد لا يجامل الحكومة؛ لأنه يتحرز منها حتى لا يُتهم بأنه من عملاء السلطان، أو التهم التي تقال، مع الأسف الشديد..
إذاً الميزان دقيق ويجب أن ننتبه لهذا، فلا هذا ولا ذاك، فنحن عندما نتكلم عن الأسباب التي قد تدفع بعض الشباب إلى الغلو والتكفير يجب أن نعالجها بوضوح؛ لأن هناك انحرافات وقضايا كثيرة يمكن لكل واحد من هؤلاء أن يستند إليها في هذه الأحكام، مع أن هناك ضوابط، وقد لا يراعي بعض الضوابط.
مثلاً: مسألة أن الكفر موجود وأن هذه القضية كفر، لكن المعيّن أو الفاعل هل يكون كافراً؟ كذلك قضية اللوازم.. مثلاً: لو كفر الحكام هل يلزم كفر الشعب، أو كفر العلماء الذين لم يكفروهم؟ هذه مشكلات كبيرة يجب أن تناقش بدقة وبتفصيل ووضوح.
ثم أيضاً على الجانب الآخر، الأمر ليس بالدعاوى، فليست القضية أن أصف نفسي بأنني مجاهد، أو آمر بالمعروف أو ناهٍ عن المنكر، ونقول: يا أخي الكريم! أنت قد ترى أنك متأول، قد ترى أن لك تأويلاً وحينئذ يجب عليك أن تسأل، وأن تستبين وتستشير؛ لأن الإقدام على مثل هذه الأعمال خطر على دينك وإيمانك، وله من المضار والمفاسد ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، والمؤمن يستشير في أدنى من ذلك بكثير ويتأكد ويتأنى، فما لديك من تأويلات وشبهات لو ذهبت إلى عالم لكشفها لك وانتهت، وحقيقة أنا أقول: من فضل الله سبحانه وتعالى أن كثيراً من هؤلاء كشفت لديهم شبهات والحمد لله، ولم يتبنوا شيئاً من هذه الأعمال، مع أنه قد يقال: إنهم كانوا من المتشددين في هذا الأمر.
أما الجهاد الحقيقي الذي نعرفه وندعو إليه ونؤيده؛ فهو الجهاد على ثغور الإسلام في مواجهة أهل الكفر، والعامي بفطرته، حتى العجوز في عقر دارها تحب هذا الجهاد وتدعو له وتتبرع .. من الفلبين إلى كشمير إلى أفغانستان إلى فلسطين إلى العراق إلى الشيشان، لا نجد أحداً يجادل في هذا الجهاد، أن نواجه أمة الكفر المحتلة المعتدية ونقاتلها هذا أمر إن لم يكن واجباً فهو من أفضل أنواع التطوعات، ولا نزاع فيه أبداً، لكن عندما تعمل عملاً في عقر دارك وبين أهل الإسلام وتقتل مسلمين أو بعض المسلمين أو تقتل حتى الـمُعَاهدين، أو حتى من له شبهة عهد؛ فإن شبهة العهد -كما نص شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول - كالعهد، وكذلك عمر رضي الله تعالى عنه اعتبر شبهة العهد عهداً، فقد روى عنه اللالكائي وغيره أنه قال: [[لو أن رجلاً من الكفار -من الروم- أخرج رأسه من الحصن وأشار بيده إلى السماء ثم قتله رجل من المسلمين لقتلته]] لماذا؟ لأن هذه كأنها إشارة إلى أنه أسلم أو آمن، أو أنه أُمّن، فالشبهة يعمل بها درءاً لمشكلات كثيرة قد تقع، حتى لو كان مع أهل الذمة الذين ليسوا بمسلمين وإنما يعيشون في دار الإسلام بعقد ذمة، فما بالك بالمسلم؟ وحرمة دم المسلم أعظم عند الله تبارك وتعالى من أن تستحل الكعبة كما ثبت في الحديث.
فنحن في الحقيقة لا ندافع عن هؤلاء ولا عن هؤلاء، وأنا أعتقد أن من الطبيعي جداً ويجب على كل من يتكلم في الموضوع أن يتقبل برحابة صدر أنك لن تسلم من الطرفين، لكن لا يهمك الناس، عليك أن تقول كلمة الحق وأن تنصح، تنصح هؤلاء -أي: الحكومات- بألا تدع مجالاً للحكم عليها بالكفر، وذلك بأن تحكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، فلا قوانين وضعية، ولا موالاة للكفار، ولا مداهنة لهم، ولا مظاهرة لهم على المسلمين، فتجتنب تماماً؛ حتى لا تقع أي شبهة، وتقول لهؤلاء: إن لم يحدث من هؤلاء ما نريد منهم وما نطلبهم به فعليكم بالصبر والأناة، واتركوا الاستعجال، والجهاد له شروطه وأحكامه وضوابطه .. إلى آخر ما يقوله الفقيه..